الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية عون أمن يتسلم دينارين رشوة، الجمهورية تفتح ملف «افرح بيا»: «عقلية» أم تصرّفات فردية؟

نشر في  06 جانفي 2016  (12:07)

أثار مقطع فيديو نشره مواطن أصيل منطقة رادس ليلة رأس السنة، ضجة كبيرة، حيث صوّر هذا الأخير عون أمن برتبة مفتش أول في مفترق بوقرنين أثناء تسلمه لرشوة منه ـ وقيمتها ديناران ـ  ونشر الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، لتنطلق تبعا لذلك حملة تدين تصرف بعض أعوان الأمن الذين يبتزون المواطنين ويدفعونهم الى تقديم «الرشوة»... تبعات هذا الفيديو لم تتوقف عند الفايس بوك حيث تفاعلت وزارة الداخلية على الفور وقررت ايقاف العون المباشر بمنطقة الأمن الوطني بحمام الأنف مرجع نظر إقليم الأمن الوطني ببن عروس عن العمل في انتظار إحالته على مجلس التأديب.
وتجدر الاشارة الى أن مصالح منطقة الأمن الوطني بحمام الأنف اتخذت قرار ايقاف عون الأمن «المرتشي» عن العمل  رغم أن المواطن المتضرر لم يتقدم بأية شكاية في الغرض.
وبخصوص هذه الحادثة أكد وزير الداخلية محمد ناجم الغرسلي أن ما أقدم عليه عون الأمن المذكور هو  سلوك فردي ومعزول، مشيرا الى أن الوزارة  تعاملت معه بكل مسؤولية عبر إيقاف المعني بالأمر وفتح بحث إداري وقضائي في الصدد تكريسا لمبدأ علوية القانون وعدم الإفلات من العقاب.
 من جهته أكد المكلف بالعلاقة مع وسائل الإعلام بوزارة الداخلية وليد الوقيني ضرورة عدم تشويه المؤسسة الأمنية نتيجة بعض الممارسات الشخصية مشددا على أنه لا مجال بعد اليوم للإفلات من العقاب وقال إن المؤسسة الأمنية ستظل الدرع الواقي للوطن من كل الاخطار التي تحدق به.
ولئن تبدو هذه الحادثة معزولة ووجب معاقبة مرتكبها دون اللجوء الى التعميم، فإنه لا مناص من الحديث عن ظاهرة تلقي بعض الأعوان للرشوة خاصة على مستوى الطرقات حيث تكثر التجاوزات وهو ما جعل البعض يطلق مصطلح «افرح بيا» على هذه الظاهرة في حملة لمحاولة ردع الأعوان ودفعهم للتخلي عن هذا السلوك المشين والذي لا يساهم بأي شكل من الأشكال في تحسين علاقة الأمني بالمواطن .
أخبار الجمهورية ارتأت في هذه الورقة وبناء على الأحداث الأخيرة تسليط الضوء على آفة الرشوة في القطاع الأمني، أو ما عرف بمصطلح « افرح بيا» ...

النقابي الأمني محمد علي الهاشمي يدين الحادثة ويقاضي المواطن

في الوقت الذي أدان فيه الجميع تصرف عون الأمن الذي لم يتردّد في قبول مبلغ دينارين من مواطن، قرّر عضو نقابة موظفي الادارة العامة لوحدات التدخل محمد علي الهاشمي رفع قضية ضدّ المواطن الذي صوّر عون أمن أثناء تسليمه لمبلغ مالي، وبرر الهاشمي قراره بأن القانون يعاقب الراشي والمرتشي، وبالتالي فقد قرر مقاضاة الراشي حتى لا يفلت أحد من العقاب.
ولئن أكد الهاشمي ادانته لبعض التصرفات الشاذة لبعض الأعوان، وعلى ضرورة معاقبة كل عون أمن يؤمن بعقلية «افرح بيا» التي تسيء للمؤسسة الأمنية، فانه أفاد أخبار الجمهورية بأن المواطن يتحمل جزءا من المسؤولية ومن الواجب معاقبته وادانة تصرفه لأنه لم يقم بردع العون بل ساهم في الجرم وذلك بتسليمه العون المبلغ المذكور، مبينا أن العون لم يجبر المواطن على دفع الرشوة وبالتالي فان القانون يعاقب كليهما على حدّ تعبيره .
وأفادنا الهاشمي أن هذه الظاهرة ليست وليدة اللحظة وليست شاذة أو معزولة، مؤكدا أن 10 بالمائة ان لم يكن أكثر من الأعوان متورطون بشكل مباشر أو غير مباشر في هذه الظاهرة ويتمعشون منها، وأضاف أن الرشوة لا تنطلق من الطرقات بل من الادارات حيث تستفحل أكثر في مصلحة الجوازات والمصالح الخاصة بمنح بطاقة عدد 3 وبطاقات التعريف الوطنية، اضافة الى تورط بعض الأعوان مع المهربين، ووضح محدثنا أن كل هذه التجاوزات لا يتحمل العون مسؤوليتها بمفرده بل المواطن كذلك، حيث عادة ما يعمد المواطن وعوض رفضه لهذه الممارسات الى تشجيع العون وتوفير حاجياته.
وأما بخصوص الحادثة الأخيرة فذكر عضو نقابة موظفي الادارة العامة لوحدات التدخل محمد علي الهاشمي، أن الفيديو الأخير لا يثبت تسلم العون للمال حيث لم يصوّر المواطن العملية بل اكتفى بنقل الصوت دون صورة، وأضاف أن المواطن عمد الى التشهير بزميله والحال أنه كان بامكانه التقدم بشكاية في الغرض واتباع الطرق القانونية، كما ذكر أن وزير الداخلية أخطأ بدوره حيث تجاوز الاجراءات القانونية وقام باتخاذ قرار ايقاف العون عن العمل لمجرّد الشبهة وقبل التثبت من صحة الفيديو، واستغرب الهاشمي من استناد سلطة الاشراف على ما ينشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مشيرا الى أن الهدف الأساسي لوزير الداخلية كان تحسين صورته أمام الرأي العام غير عابئ بالأمني .
وختم محدثنا كلامه بمطالبته سلط الاشراف بضرورة توفير الدخل المحترم لعون الأمن وما يكفل له الحياة الكريمة قبل محاسبته، مضيفا أنه لا يبرر ما اقترفه العون من جرم لكن وقبل الحديث عن آفة الرشوة ومحاولة ايجاد حلول جذرية لها لا بد من تحسين الوضعيات المادية لأعوان الأمن.   

لسعد كشو: لا بدّ من محاربة عقلية «افرح بيّا» ولهذا أخطأ وزير الداخلية

من جهته أفادنا رئيس نقابة موظفي الادارة العامة لوحدات التدخل لسعد كشو أنه يرفض رفضا مطلقا عقيلة «افرح بيا» التي ينتهجها بعض الأعوان، مشيرا الى أنه لا يوجد أي مبرر يدفع بالعون الى طلب الرشوة وابتزاز المواطن والسقوط في هذا الفخ، حتى وان كان هذا المبرر مرتبطا بتردي وضعيته الاجتماعية .
ولئن لم ينكر لسعد كشو تردي الوضع الاقتصادي والاجتماعي لجلّ الأعوان فانه أكد ضرورة محاربة آفة الرشوة، مضيفا أن الحادثة الأخيرة لم تسئ الى عون الأمن فقط بل أساءت الى المؤسسة الأمنية برمتها واصفا اياها بالحادثة الوضيعة ...
من جهة أخرى شدّد لسعد كشو على كون الاجراءات المتخذة في هذا الحادث الأخيرة غير سليمة من الناحية القانونية، مضيفا أن وزير الداخلية كان مطالبا بالتثبت من صحة الفيديو وما نسب الى العون  وفتح بحث اداري قبل اتخاذ قرار ايقافه عن العمل، كما كان مطالبا بجمع كل الشهادات من قبل زملاء العون «المرتشي» وتأكيدهم على كونه هو من أوقف المواطن وطلب الرشوة .
أما بخصوص المواطن فتحدث كشو عن فرضيتين أولاهما كون المواطن ملّ هرسلة هذ العون له فعمد الى حيلة الكاميرا الخفية لاتخاذها كشاهد لتأكيد عملية الابتزاز وهو ما يسمح به القانون، وأما الفرضية الثانية فتتمثل في وجود نيّة قصدية لاستدراج وادانة المؤسسة الأمنية، موضحا أن عملية الاستماع الى كل الأطراف من شأنها أن توضح خلفيات هذه القضية.
وختم لسعد كشو حديثة بالتأكيد على أن الرشوة ليست حكرا على المؤسسة الأمنية وأن وزارة الداخلية ليست الوحيدة المطالبة بالتصدي لهذه الآفة بل الادارة التونسية ككلّ، موضحا أن محاربة عقلية « افرح بيا» من مشمولات مؤسسة الدولة لأنها منظومة كاملة والتصدي لها يكون بزرع ثقافة جديدة ولم لا زرع كاميرااهات مراقبة في كل الأماكن التي يحتك فيها المواطن بالأعوان في شتى المجالات.

لطفي بلعيد: الرشوة ومصطلح «افرح بيا» لا يقتصران على أعوان الأمن

وفي اتصال هاتفي جمع أخبار الجمهورية برئيس اقليم القصرين لطفي بلعيد، أفادنا في البداية أن الرشوة ومصطلح «افرح بيا» لا يقتصران على أعوان الأمن، مشيرا الى أنه لا يبرر التجاء بعض الأعوان الى هذا التصرف على حد تعبيره ولكنه من الضروري اليوم محاربة الآفة في كافة القطاعات، حيث أكد أن المواطن يعمد الى دفع الرشوة من أجل اقتطاع تذكرة في الكنام أو مكاتب البريد .
وأوضح لطفي بلعيد أن ما أقدم عليه عون الأمن هو تصرف فردي ومعزول، وأن المواطن يتحمل جزءا من المسؤولية كذلك، وأشار الى أن الضحية الوحيدة في مثل هذه العمليات عادة ما يكون الرئيس المباشر لعون الأمن.
من جهة أخرى بين محدثنا أنه لا يجب الحديث والتطرق الى ارتشاء عون الأمن والتغاضي على عدد القضايا المرفوعة في محاولات ارشاء أعوان الأمن ورفض هؤلاء لمثل هذه التصرفات والتجائهم الى القضاء.
وختم بالتأكيد أنه لا يجب اليوم تبرير هذه التصرفات أو القول ان الوضعية الاجتماعية لأعوان الأمن تجبرهم على السقوط في فخ الرشوة، حيث ذكر أن هذا التصرف مرفوض مهما كانت التبريرات، وأن عون الأمن مطالب بالعمل على تحسين ظروفه الاجتماعية حتى وان تطلب الأمر عمله خارج أوقات الدوام رغم كون هذا الحلّ غير قانوني على حدّ تعبيره.  

غياب الإرادة الحقيقية لتطبيق القانون على المخالفين، ومشاركة المواطن في هذه الظاهرة اما خوفا من العقاب أو سعيا لربح الوقت وقضاء حاجته في أسرع الأوقات قد تكون من الأسباب الرئيسية لتفشي هذا السوس الذي ينخر مجتمعا بأكمله.
ويذكر أن مدير المعهد التونسي للديمقراطية والتنمية الياس الزين أعلن منذ مدة عن إحداث بوابة الكترونية  تحت  مسمى <>افرح بيا <> لنشر ثقافة الوقاية من الفساد والإبلاغ عنه، وللتصدي لعمليات الابتزاز التي يتعرض اليها المواطن من قبل بعض أعوان الأمن .
ومهما كان، فانه لا يختلف اثنان في كون الرشوة والفساد المالي ظاهرة طاغية وبشكل كبير في جل مؤسسات الدولة، كما لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نختلف في تحمل المواطن لنسبة كبيرة من المسؤولية، فكما ندين المرتشي من الضروري ان ندين أيضا الراشي الذي يساهم من جهته في تفاقم هذه الآفات .
ختاما نتساءل هل تكون حادثة ارتشاء عون أمن ليلة رأس السنة القطرة التي أفاضت الكأس والتي ستدفع الادارة التونسية الى دقّ نواقيس الخطر ومحاولة ايجاد حلول جذرية للقضاء ولو تدريجيا على عقلية «افرح بيا» أم أن ما يجري مجرد حالات معزولة كما يدّعي البعض؟

الرشوة في أرقام: الأمن والصحة في الطليعة  

 الرشوة آفة تنخر الإدارة التونسية ولم تختف بعد ثورة الحرية والكرامة، وتفيد دراسة استكشافية حول إدراك الفساد الصغير في تونس التي قدمتها الجمعية التونسية للمراقبين العموميين، والتي تم اجراؤها من ماي 2013 إلى ماي 2014، تفيد أن قيمة الرشاوي التي دفعها التونسيون خلال السنة الفارطة بلغت حسب التقديرات الأولية 450 مليون دينار دون احتساب الهدايا أو العطايا أو الامتيازات العينية.
ويعرف الفساد الصغير حسب هذه الدراسة، بكونه الفساد الإداري اليومي الذي يبرز خلال التعامل المباشر بين العون العمومي والمواطن عند طلب هذا الأخير لخدمة إدارية ويتطلب دفع مبالغ مالية صغيرة أو هدايا أو عطايا أو امتيازات للحصول على الخدمة
وأكد 77 بالمائة من التونسيين أن الفساد الصغير ارتقى إلى مرتبة الوباء الذي ينخر الإدارة التونسية، كما أكد 27% من التونسيين أنهم شاركوا في عمليات فساد متمثلة في دفع رشاوي صغيرة تتراوح بين 5 و 20 دينارا..
من جهة أخرى كشف المسح الوطني حول نظرة المواطن الى الامن والحريات والحوكمة المحلية في تونس الذي أنجزه المعهد الوطني للاحصاء تفشي ظاهرة الفساد والرشوة على المستوى المحلي بجل القطاعات وفي مقدمتها الأمن والصحة.
وتفيد الدراسة بأن مواطنا واحدا على الاقل من أصل اثنين أي 50 بالمائة أقر بوجود الظاهرة في جل مؤسسات الدولة ووجود معاملات مشبوهة مبنية على الفساد والرشوة بمنطقتهم وذلك في مختلف القطاعات.
وبالنسبة إلى ترتيب الفساد والرشوة ،احتل قطاع الأمن المرتبة الأولى بنسبة 68 بالمائة يليه قطاع الصحة ب 67 بالمائة فقطاع العدل ب 64 بالمائة ثم أعوان العدالة بـ 62 بالمائة فقطاع التربية والتعليم بنسبة 59 بالمائة يليه أعوان وإطارات القطاع الخاص ب 58 بالمائة والجباية ب 57 بالمائة..

ملف من اعداد: سنــــاء الماجري